الكراء في زغوان: أسعار مجحفة تطرح أكثر من سؤال 

يقطن ب”حومة بالشيخ”، يتقاسم المنزل مع ثلاثة من أصدقائه، كل يدفع 150 دينارا شهريا مع “ضمد” بقيمة 150 دينارا، يعمل في أحد مصانع الزريبة بجراية لا تتجاوز ال850 دينارا.
وليد، كما أردنا تسميته، يعيش في منزل صغير لا يحوي غير غرفتين “مؤثثتين”، ينام رفقة صديق آخر لا يتقاضى أكثر من 600 دينار في أحد المطاعم.
كان سنة 2015 يقطن في “حي العرائس” في بيت مماثل لهذا رفقة ثلاثة من أبناء منطقته بتعريفة لا تتجاوز ال80 دينارا للواحد منهم.
وليد ليس إلا عينية من أولاد لا يمكن عدهم في زغوان، أولاد أضحوا اليوم يتقاسمون جراياتهم مع أصحاب المنازل مع الارتفاع المشط في معاليم الكراء وسط مدينة زغوان.
فكيف تطورت أسعار معاليم الكراء في زغوان في العشرية الأخيرة ؟
وما الأسباب الواقفة وراء هذا الارتفاع ؟

 

كلما ذكر موضوع الإرتفاع في أسعار أي شي كان، أول شيء يتبادر للأذهان هو قانون العرض والطلب الذي يتحكم في كل الأسواق.

فكلما فاق الطلب على شيء قليل العرض يرتفع السعر تلقائيا، في قانون عمليّ يمكن أن يفسر هذه الظاهرة.

لكن موضوع أسعار الكراء في زغوان لأهميته، لا يمكن أن يعالج فقط بهذه السطحية لتداخل الأسباب.

لذا في مرحلة أولى وجب مقارنة ما باتت عليه الأسعار اليوم مقارنة بسنة 2015، وفي هذا الإطار توجهنا لعدة أطراف مطلعة على غرار سماسرة زغوان الذين رفضوا الإفصاح عن هوياتهم بسبب غياب التنظيم في هذا القطاع كما توجهنا إلى وكالة بن حمادي العقارية المتمركزة بشارع الأرض وسط المدينة والتي تأسست بدورها سنة 2015.

وبناءا على المعلومات المجمعة من هذه المصادر قمنا بهذه المقارنة التقديرية لتطور أسعار المنازل السكنية في زغوان مؤثثة كانت أو غير مؤثثة في العشرية الماضية .

مقارنة تقديرية لمتوسط أسعار الكراء في زغوان بين 2015 و 2025: (الوحدة: الدينار التونسي)

أنواع المنازل/ السنة 2015 2025
S0 100-120 150-200
S1 150-250 250-300
S2 250-300 300-400
S3 300-400 500-550

تطور أسعار كراء المنازل الغير مؤثثة في زغوان بين  2015 و2025

أنواع المنازل/ السنة 2015 2025
S0 150-200 250-350
S1 300-350 400-500
S2 350-450 500-700
S3 500-700 700-1000

تطور أسعار كراء المنازل المؤثثة في زغوان بين 2015 و2025

وكما هو مبيّن في المقارنة، تضاعفت معاليم الكراء في زغوان المدينة في فترة وجيزة، فترة وصفها أغلب “السماسرة” بفترة ارتفاع الطلب أمام نقص العروض.

 

ارتفاع عدد الوافدين على مدينة زغوان سببا بارزا وراء ارتفاع الطلب على الكراء

فوفق أحد السماسرة العاملين في قطاع كراء المنازل والمحلات التجارية بزغوان المدينة، تزايد الطلب على الكراء في زغوان جاء بسبب ارتفاع عدد السكان وسط المدينة  بالإضافة إلى تزايد توافد العمال والطلبة و المتكونين.

حيث أشارت آخر توقعات المعهد الوطني للإحصاء لسنة 2023 إلى ارتفاع عدد سكان ولاية زغوان عموما من 179804 سنة 2015 إلى 191066 سنة 2023، وهو ما يعني تلقائيا إرتفاع عدد سكان مركز المدينة.

كذلك تشير آخر تحيينات المندوبية العامة للتنمية الجهوية في تقريرها “زغون في أرقام” لسنة 2022 إلى ارتفاع عدد العاملين في القطاع الصناعي في زغوان إلى 28144 عامل مقارنة ب 23405 سنة 2015.

ولا يقتصر التوافد في زغوان المدينة على العملة فقط، فحتى الطلبة و المتكونين اليوم أضحوا عاملا إضافيا لارتفاع أسعار مع ضعف طاقة إيواء المؤسسات العمومية.

فلا يوجد غير مبيت جامعي وحيد للطلبة في زغوان أمام 3 مؤسسات جامعية تستقطب كل سنة ما يزيد عن 1100 طالب وفق تقرير المندوبية العامة للتنمية لسنة 2022 ، فأصبح هذا المبيت حكرا على أبناء السنوات الأولى للذكور والسنة الثانية للإناث، ليبقى البحث عن منازل للكراء حلا لبقية الطلبة.

كذلك لا يحتوي مركز التكوين المهني بزغوان على أكثر من 75 سريرا، مقابل 300 متكون مسجلين هذه السنة، الشيء الذي دفع ببقية المتكونين للكراء وسط مدينة زغوان وفق تصريح سابق لمدير المركز محمد البرهومي للوميض نيوز.

إرتفاع أسعار العقارات ومواد البناء سببا وجيها لارتفاع أسعار الكراء

وفي صبر لآراء بعض مالكي العقارات والمتسوغين وسط مدينة زغوان، أجمع أغلبهم على غلاء أسعار الأراضي السكنية ومواد البناء.

فوفق قولهم هذا السبب دفع المستثمرين في قطاع العقارات إلى الترفيع في أسعار التسويغ لتغطية مصاريفهم من جهة، وأجبر المتسوغين بدورهم على التخلي عن حلم امتلاك منزل مستقل ينقذهم من سطوة مصاريف الكراء من جهة أخرى.

بدوره أكد منذر بن حمادي، مدير وكالة بن حمادي العقارية (شارع الأرض-زغوان)، ارتفاع أسعار الأراضي الصالحة للبناء في زغوان مقارنة بسنة 2015، فعلى سبيل المثال، بعض المقاسم التجارية القائمة  بشارع الأرض كانت لا تتجاوز 450 دينار للمتر الواحد لتصل اليوم إلى 800 دينار، كما وصلت أسعار بعض المقاسم السكنية وسط مثال التهيئة العمرانية إلى أسعار قياسية مقارنة بسنة 2015، فمعدل سعر المتر الواحد كان  270 دينار تقريبا وسط المدينة، ليصبح اليوم بمعدل 350 و400 دينار وأكثر في بعض المقاسم.

كذلك ارتفع وفق قوله سعر الأراضي الخارجة عن مثال التهيئة العمرانية (الفلاحية) والتي كانت ملجأ الموظفين ومحدودي الدخل، فبعد أن كانت تتراوح أسعار مترها من 60 ألى 80 دينار سنة 2015 أضحت اليوم بين ال 200 وال 280 دينارا للمتر.

ووفق منذر بن حمادي، لم يعد في مقدور العائلات اليوم امتلاك منزل مستقل ليصبح الكراء شرا لا بد منه، فيرتفع الطلب وترتفع معه معاليم الكراء.

وفي ذات السياق وفي توضيح لارتفاع أسعار مواد البناء واليد العاملة مقارنة بسنة 2015، استخلصنا بناءا على آخر إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء ومؤشر أسعار الجملة والبيع عند الإنتاج الجدول التالي:

مقارنة أسعار مواد البناء بين سنتي 2015 و2025: (الوحدة: المليم)

المادة/السنة 2015 2025
الإسمنت العادي 7000 14.500
حديد 10 9300 21.000
حديد 12 12.500 27.000
حديد 14 18.700 36.500
آجر 12 495 640
آجر أوردي (دالة) 900 1000
متر يد عاملة  (كل مراحل البناء) 115.000 230.000

 

هل يكون عدم تحيين مثال التهيئة العمرانية سببا غير مباشر لارتفاع الأسعار ؟

وفي ترجيح لإمكانية قلة الأراضي السكنية المتاحة في المدينة كسبب وراء قلة العرض أما ارتفاع الطلب، توجهنا إلى مقر بلدية زغوان، أين عرض علينا عادل ميساوي، المهندس المعماري بالبلدية، تفاصيل مثال التهيئة العمرانية بالبلدية والذي لم يحيّن منذ سنة 2010.

ووفق ما أفاد به محدثنا، يمسح مثال التهيئة حوالي 1300 هكتار من بينها 328 مناطق سكنية لم تستغل بشكل كامل إلى حد اللحظة، ففي بعض الأحياء على غرار وادي النساء والروايقية وشارع الأرض، لازالت عديد المقاسم البيضاء متروكة دون استغلال، فلا يمكن القول اليوم إن طاقة استيعاب مثال التهيئة بلغت أقصاها.

       *مثال التهيئة العمرانية لبلدية زغوان*

وأضاف محدثنا، إن هذا لا يعني المواصلة دون توسعة المناطق السكنية في المدينة، فالبلدية تقريبا أنهت تصورها حول  مثال التهيئة العمرانية الجديد، والذي يبقى رهينة مصادقة اللجنة الوطنية برئاسة الحكومة.

وفي حديث عن الإضافة التي يمكن أن يقدمها مثال التهيئة العمرانية الجديد في حلحلة مشاكل غلاء الكراء، قال عادل ميساوي إن البلدية اقترحت ضم حوالي 600 هكتار أخرى لمثال التهيئة العمرانية، وبعد المصادقة ستعمل على تخصيص مساحات للمستثمرين لبناء إقامات جماعية كبرى  مشابهة لمجمع المساكن الوظيفية بزغوان على غرار بقية الولايات، والذي يمكن أن يردع الكفة بين العرض والطلب بتوفير عدد أكبر من المنازل المتاحة للكراء.

ورغم كل الأسباب المذكورة أعلاه، والتي قد تخص زغوان وحدها، تبقى ظاهرة ارتفاع أسعار الكراء ظاهرة وطنية تجوب كل المدن التونسية الكبيرة بصفة متفاوتة.

لكن الفوارق تبقى في أسباب ارتفاع الطلب حسب خصوصيات كل مدينة.

إعداد وتحرير ذاكر مسعود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *