المدينة العتيقة بزغوان و الفرصة الممكنة لاسترداد مفاتنها و نشاطها
ليس بخفي على كل زائر للمدينة العتيقة بزغوان ما بدت عليه من ذبول وركود محيّرين في المدة الأخيرة. فعلى عكس أيام ولّت لن تجد في أزقتها إلا زوّار يسهل تعدادهم على أصابع الأيدي. وإن تحاملت على خصوصياتهم قليلا بالسؤال عن سبب الزيارة، ستجد كعك الورقة هو غاية الزيارة. فنادرا ما تجد زائرا أو سائحا جاء للمدينة العتيقة ككيان تاريخي ووجهة سياحية تمتع الناظرين. فما الذي بعثر رونق “هبة مياه جبل زغوان” كما يحلو للبعض تسميتها؟
سؤال وحيرة تقاسمها معنا سكان المدينة، فالكل هنا يستغرب تلاشي الرّوح القديمة لل”المدينة العربي”.
حسرة وامتعاض لسكان المدينة
وفي جلسة لنا بينهم بمعقلهم “قهوة الرحبة”، تعددت المشاكل والمطالب بين صفوف من شاب شعر رؤوسهم في أزقة هذه المدينة.
ففي حديث امتزج بين الحسرة والإمتعاض، حدثنا أحد كبار المدينة العتيقة عن المباني القديمة التي كبّلت فيها مشاكل الميراث كل محاولات الترميم، فحسب رأيه أضحت بعضها خطرا يحدق بالزوار وبالبنايات المجاورة، كما أفسدت جمال الأزقة بأبوابها المهشمة وحيوطها المهترئة.
واشار لنا آخر بالإصبع إلى محلات بيع كعك الورقة في النهج المقابل لطاولتنا قائلا: “بين حانوت الكعك وحانوت الكعك تلقى حانوت كعك، وين مشات الحرف الأخرى في زغوان كيما الشاشية والمرڨوم”
وواصل محدثنا استغرابه بالحديث عن اندثار أغلب الحرف التقليدية بزغوان أمام قلة الإقبال، مرجعا ذلك إلى غياب إهتمام جدّي بإحياء المدينة سياحيا.
وتدخل باقتضاب أحد الجالسين بجوارنا بالإشارة إلى سواقي المياه القديمة على أطراف أزقة المدينة والمجعولة لتصريف المياه، والتي اكتسحتها أعتاب محلات الكعك من الجانبين، ففي الأمطار تغمر مياه الأمطار تلك الأمتار الضيقة وفق قوله.
جمعية صيانة المدينة العتيقة تجيب
وأمام هذا الزخم من التشكيات والمطالب بحثنا عمّن جنّد نفسه من المجتمع المدني للدفاع عن روح المدينة العتيقة بزغوان، فتوجّهنا لمكتب جمعية صيانة المدينة العتيقة لمزيد الإستفسار عما آل إليه هذا الصرح العريق.
فكانت الإجابة من رئيس الجمعية، خالد الشايب بأن الجمعية على إطلاع كلي بنقائص المدينة وما تحتاجه من تحسينات.
وأشار الشايب إن الدور الأساسي للجمعية، وهو الحفاظ على تاريخ زغوان وتوثيقه وحمايته من الاندثار، لكن بالموارد المتوفرة.
ولمزيد التوضيح دعانا الشايب لإلقاء نظرة عما يعنيه بتوثيق وحماية التاريخ الزغواني حسب الموارد، فوجدنا متحفا مصغرا يجمع بين القطع “الأثرية” والخرائط والمعلومات والدراسات المعمقة حول تاريخ زغوان الديني والمعماري، ناهيك عن مجلة تدرس سبل تطوير وإستغلال تاريخ المدينة العتيقة ومعمارها سياحيا.
ففي ما عرض علينا، وجدنا دراسات مكتملة لمسالك سياحية دينية ومعمارية وطبيعية يمكن إنجازها بمدينة زغوان، فقط لو تتوفر الماورد المالية وخاصة الإرادة السياسية.
وأشار محدثنا أن هذه الدراسات أصبحت محل اهتمام حاليا من قبل بلدية زغوان، بعد دعوته لإجتماع خصص لدراسة مطلب البلدية السياحية الذي ستتقدم به بلدية المدينة في الفترة المقبلة.
وفي إجابة على بعض مطالب متساكني الجهة مما ذكرنا في البداية، أفاد خالد الشايب إن وظيفة الجمعية تقتصر فقط على تقديم النصح والمشورة والإعتراض في بعض الأحيان.
وواصل قائلا إن جمعية صيانة المدينة العتيقة تفتقر للقوة التنفيذية على عكس المصالح البلدية فيما يخص مشاكل الترميم والردع ورخص البناء، مشيرا إلى ضعف الموارد المالية للجمعية خاصة مع انسداد مصادر التمويل الجمعياتي في الآونة الأخيرة.
مولود جديد يتجنّد لحراسة المدينة
وفي خضم هذا التقهقر المحيّر لمكانة المدينة العربي، وُلدت جمعيّة جديدة بزغوان تسعى لاستعداة عبير الزمن الجميل بين الأزقة الضيقة، وسمّيت “زغوان إلى الأمام” كما حدثنا أمين مالها الطاهر سكبيني.
وجاء على لسان الطاهر إن الوضع المزري الذي باتت عليه “سرّة” ولاية زغوان لا يبشر بخير، وهو ما دفعه رفقة بعض السكان لإنشاء هذه الخلية التطوّعية لإستعادة بريقها.
وفي توضيح لما ستعمل هذه الجمعية على تحقيقه، قال محدثنا إنهم سيسعوا بالأساس للحد من الحركة المرورية داخل المدينة.
فوفق قوله تمثل حركة سيارات الزوار وسيارات الأجرة “تاكسي” سببا أولا لغياب الحركية داخل الأزقة. إذ حرمت التجار من فرص تسوق الزائرين وعطلت حركت المترجلين بسبب ضيق الشوارع، كما بدّدت الهدوء الذي طالما ارتبطت به روح المدن العتيقة.
وبناء عليه ستسعى جمعية “زغوان إلى الأمام”، حسب قوله، للمطالبة بتركيز موانع في مداخل المدينة تسمح فقط بعبور سيارات السكان، وهو ما سيعطي فرصة للتجول على الأقدام بين معالم ومحلات المدينة.
وسيشجع هذا تباعا على عودة الحرفيين القدامى إلى سائر حرفهم المندثرة.
وأضاف أمين مال الجمعية، إنهم سيسعوا لإعادة بصمة “المدينة العربي” بالتشجيع على توحيد ألوانها كما في نظيراتها في بقية الولايات، فمع اضمحلال وحدة اللون الأزرق على أبواب البيوت والمحلات اضمحلّت جمالية المدينة حسب رأيه.
وفي طيات هذه المطالب تلتمس رغبة جامحة لدى أبناء زغوان في الحفاظ على أرثهم الحضاري والتاريخي رغم ما تفرضه الحداثة من طيّ لصفحات التاريخ.
ورغم ما لامس ثناياها من شوائب تبقى “هبة مياه جبل زغوان” فاتنة بعيونها الزلال المتفرقة في أرجائها تروي رمق عطشى الزائرين، ما يفسر صمودها وشموخها رغم كيد الشوائب.