ما الذي يدفع أبناء زغوان أحيانا إلى “السياحة التكوينية” رغم وجود 45 مركز تكوين خاص بالجهة ؟

تضم ولاية زغوان حوالي 45 هيكل تكوين مهني خاص، أغلبهم متواجدين بمركز الولاية حسب إحصائيات الإدارة الجهوية للتكوين المهني, لكن على عكس بقية الولايات المجاورة كالقيروان وباجة وسليانة تفتقر الولاية لمركز تكوين خاص يسند شهائد منظرة، فأغلبهم مختصون في التكوين المستمر والدورات التدريبية السريعة، وحتى من اختص في التكوين الأساسي لم يحظى بالتنظير من قبل وزارة التشغيل والتكوين المهني، وفق ما أكده المدير الجهوي للتشغيل والتكوين المهني بزغوان عادل الخليفي.
فما المقصود بالشهادة المنظرة ؟
وما الأسباب التي حالت دون حصول مراكز التكوين في زغوان على شهادة التنظير ؟

 

تعني الشهادة المنظرة في تعريفها الوارد بالموقع الرسمي لوزارة التشغيل والتكوين المهني، الشهادة المعادلة للشهادات العلمية والمعترف بها في القانون التونسي.
وفي تفسير أكثر وضوحا أفاد المدير الجهوي للتشغيل والتكوين المهني بزغوان عادل الخليفي، إن الشهادة المنظرة تختلف اختلافا كليا عن الشهادة العادية المسندة من مراكز التكوين المهني الخاص المرخص لها، فهذه الأخيرة لا يمكن اعتمادها رسميا لدى الجهات المانحة كالبنك التونسي للتضامن بالنسبة لمن يريد بعث مشروع خاص، ولا يمكن اعتمادها في الترشح للمناظرات الوطنية لمن يريد انتدابا في الوظيفة العمومية كما لا يمكن الاستظهار بها واعتمادها لدى الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل أو مكاتب التشغيل الجهوية، على عكس الشهادة المنظرة.
وفي تأكيد لما سبق حدثتنا أحد المتكونات (م.ح) أصيلة معتمدية الناظور، إنها وبعد استكمال تكوينها في صنع الحلويات بأحد مراكز التكوين المهني الخاص في زغوان، توجهت للبنك التونسي للتضامن نية في تمويل إنجاز مشروعها لكن تم رفض طلبها لأن الشهادة غير منظرة.
كما حدثتنا أحد المتكونات أصيلة معتمدية الزريبة، إنها أتمت تكوينا في إختصاص مساعدة إدارية طبية بأحد مراكز التكوين المهني الخاص في زغوان-والذي حذف حاليا-واكتشفت بعدها إن الشهادة غير معترف بها بما أنها ليست منظرة.

 

شروط التنظير:
وفي حديثه عن شروط حصول مراكز التكوين الخاص على شهادة التنظير، أفاد المدير الجهوي للتشغيل والتكوين المهني إن مطالب تنظير شهادات ومؤهلات التكوين المهني توجه من قبل أجهزة التكوين العمومية والخاصة إلى المصالح المختصة بوزارة التكوين المهني والتشغيل مرفوقة بملف تقني وبيداغوجي يتضمن :
* كشفا حول الاختصاص المعني،
* برنامج التكوين النظري والتطبيقي،
* بيان التوقيت المسخر لكل جزء من أجزائه،
* بيان الوسائل التعليمية والتجهيزات التقنية والبيداغوجية المستعملة،
* بيان طرق سير التكوين،
* بيان شروط الترسيم وكيفية تقييم وختم التكوين،
* بيان المستوى العلمي والمهني للمكونين.
ووفق ما أورده الموقع الرسمي لوزارة الإشراف، تقدم هذه المطالب وفقا لنموذج معد من قبل الوزارة ، ومن ثم تعرض على اللجنة القارة لتنسيق التكوين المهني للنظر فيها ويتم تعيين مقررين من بين الأشخاص المعتمدين والمعترف بكفاءتهم لدراسة الملفات التقنية والبيداغوجية وتقديم تقارير تفصيلية تتضمن استنتاجاتهم وتوصياتهم في الغرض.
وبعد ذلك يصدر وزير التكوين المهني والتشغيل قرارات التنظير الصالحة لمدة خمسة سنوات بعد أخذ رأي اللجنة القارة لتنسيق التكوين المهني.
وإذا ما تبين أن التكوين يجري حسب أساليب وشروط غير مطابقة للتي اعتمدها قرار التنظير، فيمكن لوزير التكوين المهني والتشغيل أن يلغي هذا التنظير بعد أخذ رأي اللجنة القارة سالفة الذكر التي يتعين عليها قبل اتخاذ قرار الإلغاء دعوة المسؤول عن هيكل التكوين المعني لتقديم توضيحاته.
وتنشر قرارات التنظير وإلغاء التنظير بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
ما الذي يمنع مراكز التكوين في زغوان من الحصول على شهادة تنظير 
وأعاد المدير الجهوي للتشغيل عادل الخليفي، غياب مركز تكوين منظر في زغوان إلى صعوبة تطبيق كل الشروط المذكورة وما تقتضيه من استثمارات كبرى تطابق ما تشترطه وزارة التكوين المهني والتشغيل.
فعلى سبيل المثال يقتضي تنظير اختصاص الإعلامية 16 حاسوبا للقاعة مع توفير أستاذ لكل قسم من برنامج التدريس، مع إعادة تهيئة وتوسعة مركز التكوين، الأمر الذي يستصعبه أصحاب مراكز التكوين وفق تقديرات المدير الجهوي للتشغيل.
من جهتهم أكد أصحاب مراكز التكوين المهني الخاص في زغوان هذا السبب رفقة عدة أسباب أخرى.
ففي حديثها للوميض نيوز، قالت هدى شيحاوي صاحبة مركز تكوين خاص بمركز الولاية، إن تكاليف ما يقتضيه التنظير من شروط يصعب مأمورية الحصول عليه، وحتى من له القدرة الاستثمارية يجد نفسه مترددا بسبب عزوف أبناء الجهة وتوجههم لمراكز التكوين في العاصمة والولايات المجاورة.
مضيفة إن أغلب من يرفض الخوض في تجربة التنظير له تخوفات من الثقافة المتوارثة لدى أهالي زغوان والتي تحبذ التكوين خارج الولاية.
بدورها أفادت إشراق بوڨصة نائبة مدير مركز تكوين خاص مختص في صنع الحلويات وتدريس اللغات بزغوان المدينة، إن كلفة تنفيذ شروط التنظير ليست وحدها ما يحول دون حصول مراكز التكوين في زغوان على هذه الشهادة، فالتأخير الذي يحصل في دراسة الملفات صلب مصالح الوزارة بدوره سببا في هذا العزوف.

 

مجهودات الغرفة النقابية الجهوية لهياكل التكوين الخاص في حلحلة هذا الإشكال
ولمزيد التعرف على تداعيات هذا الإشكال وحلوله كان لنا تواصل مع رئيس الغرفة النقابية الجهوية لهياكل التكوين المهني الخاص بزغوان، صلاح الشرعبي، والذي عبر بدوره عن استيائه مما يمر به قطاع التكوين الخاص في زغوان من صعوبات.
و أفاد الشرعبي إن الشهائد التي تسندها مراكز التكوين المهني الخاص في زغوان حاليا ، لا تمثل بالنسبة لهياكل الدولة العمومية سوى وثائق خبرة لا أكثر، على عكس الشهادات المنظرة التي تُعتمد في السلم الوظيفي، فعلى سبيل المثال، لما تتوجه إلى مكتب التشغيل للتسجيل بشهادة تكوين خاص، لن تجد ما يعادلها في السلم الوظيفي فلا وجود لها بالرائد الرسمي، على عكس الشهادات المنظرة التي تمنحك درجة وظيفية في السلم الوظيفي (تقني سامي أو مؤهل تقني سامي).
وفي حديثه للوميض نيوز، أكد الشرعبي ما أجمع عليه المكوّنون، فالشروط المجحفة والمكلفة للتنظير وفق تعبيره هي أول أسباب عزوف مراكز التكوين على تنظير شهائدهم.
فوفق تقديره، ما يتطلبه التنظير من استثمارات ليس بالمربح خاصة في ولاية زغوان، فمن الممكن أن تنفق مبالغ مجحفة للتهيئة والتجهيز والانتداب، لكن في المقابل لن تجد إقبالا من أهالي المنطقة الذين اعتادوا و توارثوا التنقل للولايات المجاورة خاصة العاصمة، سواء للتكوين أو في بقية الخدمات.
وفي حديث عن المجهودات المبذولة لتذليل هذه للصعوبات، أفاد محدثنا إن الغرفة الوطنية لهياكل التكوين المهني الخاص و المنضوية تحت الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، كانت قد أمضت اتفاقا الشهر المنقضي مع البنك الوطني للتضامن لتجاوز مشكل تمويل أصحاب شهائد التكوين المهني الخاص، وبالتالي أصبح لأبناء قطاع التكوين المهني الخاص الحق في قروض بعث مشاريعهم بشهائد ليست بالضرورة منظرة، وفق قوله.
كما أكد صلاح الشرعبي، صاحب أقدم مركز تكوين مهني خاص بالولاية، إن إشكال غياب مركز منظر بالولاية لن يتواصل كثيرا، مشيرا إلى وجود نية مشتركة بينه وبين ثلاثة مراكز تكوين أخرى للإندماج صلب مركز تكوين موحد يكون منظرا، مفيدا إن المشروع مازال قيد التخطيط.
وبناءا على ما سبق، لا مانع أمام وجود مركز منظر داخل الولاية سوى قدرة إستثمارية و خطة اتصالية تضمن استقطاب أبناء الجهة.
لكن لحد هذه اللحظة يبقى قطاع التكوين الخاص في ولاية زغوان رغم تنوعه، مفتقرا لثقة الباحثين عن شهائد منظرة، تسهّل حصولهم على تمويلات لبعث مشاريعهم وتفتح لهم أبواب المناظرات العمومية، في انتظار حل جذري لوقف ظاهرة “السياحة التكوينية” لابناء الجهة.

 

عمل صحفي : ذاكر مسعود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *